ترديد الصرخة في الجوامع بين التأييد والاستهجان
يمنات
جميل الجعدبي
على غير ما تشتهي سفن “أنصار الله” تأتي رياح شريحة من المجتمع اليمني، مواجهةً شعار الجماعة المعروف بـ”الصرخة”، بشعار و”صرخة” مماثلة لا يقلّ مفعولها تأثيراً وتوليداً للحماس عن مفعول صرخة “أنصار الله”. وتشهد العديد من المساجد في أمانة العاصمة غلياناً مجتمعياً تتّضح ملامحه عند كل صلاة جمعة، يردّد فيها مؤيدو “أنصار الله” شعار الصرخة، لتعقب ذلك مشادات كلامية وتتخلله مظاهر احتجاجية من آخرين داخل المسجد، فيما يختار فريق ثالث الهجران، والإنتقال إلى جوامع أخرى ما تزال ساحتها خارج قبضة الجماعة، أو الإلتحاق بمصلين في شوارع عامة جوار المساجد، وخاصة في الأحياء السكنية والتجارية عالية الكثافة السكانية.
الجمعة الأولى من شهر ديسمبر الجاري، عاد مسجد الخير في حي بيت معياد بالعاصمة صنعاء إلى واجهة الأخبار، إثر نشوب خلافات واشتباكات بالأيدي وإشهار أسلحة بيضاء وإطلاق رصاص بين شباب من أبناء الحي وآخرين من “أنصار الله”، اتهموا بمعاودة ترديد شعارهم في المسجد، ونقض اتفاق سابق أبرم الشهر الماضي بين الطرفين وقضى بتجنيب المسجد أي استغلال أو توظيف سياسي.
وكان مواطنون في حي بيت معياد أغلقوا، الشهر الماضي، أبواب مسجد الخير في وجه المصلين، عقب خلافات على ترديد شباب من “أنصار الله” لشعارهم في صلاة الجمعة ، إلا أن المسجد عاد ليُفتتح في 11 نوفمبر الماضي، ولكن بصرخة جديدة وشعار جديد، ردّده عدد من المصلين، ما تسبب – حسب شهود عيان – في التشويش على صرخة الجماعة.
في حديث إلى “العربي”، يقول محمد معياد، أحد سكان الحي، إنهم اضطروا لترديد “بالروح بالدم نفديك يا يمن…”، كشعار يرى أنه “ذو بعد وطني خالص” في مواجهة شعار “أنصار الله” الذي يثير “حساسيات مذهبية وطائفية وخلافات” قال إنهم في غنى عنها، مؤكداً في الوقت نفسه أنهم مع “أنصار الله” في مواجهة “العدوان السعودي”، وأن “الشعارات لن تفرقهم”.
جمعة الشوارع
من جانبه، يلاحظ الإعلامي والمذيع التلفزيوني، عبد الكريم الشيباني، عزوف الكثير من المصلين عن ارتياد بعض المساجد في صنعاء “التي تطلق فيها ما تعرف بالصرخة، وهي شعار جماعة أنصار الله – الحوثيين، قبل إقامة صلاة الجمعة”، معتبراً ترديد تلك الشعارات “فتنة واستفزازاً للآخرين الذين يرفضون أفكارهم سواء السياسية أو المذهبية”. وفي حديث إلى “العربي”، يرى الشيباني أن “استخدام بيوت الله للترويج المذهبي والسياسي، واستغلال الدين سياسياً، من أيّ طرف، كان يمثل عامل هدم وتمزيق للنسيج الإجتماعي”، مشيراً في هذا السياق إلى “تعايش اليمنيين شوافع وزيدية عشرات القرون بسلام ومودة واحترام لمعتقد الآخر حتى اليهودية، دون أن نسمع عن خلاف أو مشاحنات وبغضاء كما نلمسه اليوم”. ويعزو تنامي ظاهرة صلاة الجمعة في الشوارع العامة إلى “بحث المصلين عن خطيب معتدل”، ولذلك “تكتظ الشوارع المجاورة للمساجد بالمصلين، هروباً من تطرف بعض الخطباء، سواء المحسوبين على أنصار الله، أو أولئك المحسوبين على الإخوان المسلمين والوهابيين وبقية الجماعات المتشددة”.
جرس إنذار
وفيما يقول خصوم “أنصار الله” إن شعار الصرخة “مستورد من إيران”، ينكر الناشط في الجماعة، محمد علي العماد، صحة ذلك، قائلاً إنه “لو كان شعاراً إيرانياً، لماذا لم يرفعه الشهيد القائد قبل عشرات السنوات من غزو العراق”، مذكراً بأنه “حينما بدأ قائد الجماعة السابق، حسين بدر الدين الحوثي، إطلاق الشعار بعد صلاة الجمعة في الجامع الكبير بصنعاء، كان ذلك بمثابة رسالة إلى المجتمع اليمني، كجرس إنذار ليدرك حينها خطورة المخطط والمؤامرة الأمريكية الإسرائيلية تحت مبرر أحداث 11 سبتمبر، والتي كان هدفها غزو ما بعد أفغانستان والعراق”.
ويرى العماد أنه “لم تعد هناك حاجة للصرخة في المساجد، فلقد أصبح المجتمع وكل مؤسساته اليوم يواجهون ما بعد الإنذار، وأصبحت الصرخة في معظم المساجد التي يؤمها الزيود والشوافع، بصنعاء تحديداً، تعتبر سياسية تعني طرفاً بعينه”. ويعرب العماد عن اعتقاده بأن “هدف الصرخة قد تحقق”، ولذلك يتوجب على أتباع “أنصار الله” أن “يدركوا أن لصنعاء ومساجدها طابعاً خاصاً ونسيجاً آخر”، ويضيف، ناصحاً جماعته، أنّه “بات على أنصار الله اليوم أن يطلقوا الصرخة بعيداً عن المساجد بشكل عام، وألا تقسم المساجد مثل الأحزاب المتناحرة اليوم، وليجعلوها مدوّية وشامخة برأس البنادق، وفي الندوات، وأن ينشروا فكر الشهيد القائد، الذي لم يعرف منه المجتمع اليوم بصنعاء سوى الصرخة”.
الراية اليمانية
ويدافع أتباع الجماعة عن الشعار بقوة. الناشط عبد الله يعتبر “صرخة أنصار الله الراية اليمانية الطاهرة المطهرة التي تحدث عنها الرسول (ص)”، ولذلك فإنها “سوف ترفع في كل بلد عربي وفي فلسطين وأين ما وجد الاحتلال، وسوف تحرّر بها القدس، وسوف يعرف المسلمون قدرها وقيمتها وقريباً في فلسطين إن شاء الله”. وإلى حد ما يتفق معه أحمد عبد الرحمن الذاري، الذي يعتقد أن “شعار الصرخة مقدس”، إيماناً منه بأن “أمريكا هي رأس الشيطان الأكبر، ورأس الكفر العالمي”، ويتابع أن “الشعار ليس قرآناً يزول بزوال أسبابه، فعندما نرى أن أمريكا قد تراجعت عن غيها، سيكون الموت لإسرائيل، وعندما تنسحب إسرائيل من أرضنا العربية فلسطين، ستكون اللعنة على اليهود، النصر للإسلام”.
المدارس
وفي أغسطس الماضي، منع مصلون في جامع العصيمي بحي الصافية ترديد “الصرخة” عقب صلاة الجمعة هناك، ووقعت مشادات داخل المسجد، واقترح بعض سكان الحي ترديد الشعار في الشوارع، وليس داخل المساجد التي هي أماكن للعبادة. وفي محافظة ذمار، قتل شخص وأصيب آخرون، على خلفية نزاعات ترديد “الصرخة” عقب انتهاء خطبة الجمعة، في مسجد بقرية الجب في عزلة بيت العميسي بمديرية ضوران.
ساحات المدارس لم تكن هي الأخرى بمنأى عن ما يمكن تسميتها “حرب الشعارات”. ففي واقعة ليست الأولى من نوعها أثار رفض طلاب مدرسة في منطقة زراجة بمحافظة ذمار(وسط اليمن) ترديد شعار “أنصار الله” انفعال مشرف الجماعة هناك، فهد الضبياني، الذي قام غاضباً بتكسير جهاز تكبير الصوت الخاص بالمدرسة. وتداول ناشطون على مواقع التواصل الإجتماعي مقطع فيديو يظهر فيه رفض طلاب المدرسة ترديد شعار الجماعة في ساحة المدرسة، وتعالي هتافاتهم بشعار “بالروح بالدم نفديك يا يمن”.
وكانت نظّمت “أنصار الله”، في يوليو الماضي، فعالية بمناسبة “الذكرى السنوية للصرخة في وجه المستكبرين 2016م”، تطرّقت إلى “أهمية الصرخة في إيقاظ الشعوب وتنبيه الأمة تجاه تحرك الأعداء والمخططات التي تحاك ضدها”. وحسب أدبياتها، ترى الجماعة في شعار “الصرخة” “مواجهة لحالة الصمت التي واكبت التحرك الأمريكي والإسرائيلي”، وكذا “استنهاضاً للأمة وتصحيحاً لوضعها بالعودة إلى القرآن الكريم والتثقف بثقافته والإهتداء به”.
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا